الدكتورعبدالرزاق شهاب الدباغ - شيخ جراحي اربيل سيظل حاضرا في ذاكرتها الحديثه... شخصيه حضوريه زاخره
في يوم الخميس المصادف 20-09-2018 انطفأت شمعه مضيئه ونجمه ساطعه في سماء اربيل، وكوردستان والعراق ....
فارقتنا و بحزن وألم شديد شخصيه اربيليه كورديه عظيمه، اصيله، وإنسانيه بكل معنى الكلمة من عائله كريمة ...
لقد رحل عنا اول جراح استشاري في أربيل .. الدكتورعبد الرزاق شهاب الدين عبد القادر الدباغ - الجلبي (١٩٣٢ – ٢٠١٨) .
الكلمات تقف حزينه حائرة تعجزعن وصف هذا الانسان النبيل الخلوق والبهي الطلعه والمحب للانسانيه، الذي كرس حياته لخدمة أهالي مدينته الجميله (اربيل) مفضلا في وقت كان له الخيار ان يبقى في بريطانيا التي اكمل فيها اختصاصه في الطب ان يرجع الى العراق ليخدم بلده ويمارس مهنته فيها وبالأخص في مسقط راسه - اربيل.
ولد الدكتورعبد الرزاق الدباغ في قلعه اربيل وهو من عائله عريقه كان لقبها بالأصل چلبي..
لقبت عائله الچلبي ب (الدباغ) لامتلاك العائله سابقا اول معمل دباغه في أربيل. كان لهذه العائله خصوصا مع عَائِلات اربيليه عموما دور مهم في تشكيل نسيج السوق الحضري القديم أسفل قلعة اربيل التاريخية في العهد العثماني (بالقرني الثامن والتاسع عشر). شيدت وامتلكت عائله الدباغ في السابق قيصرية اربيل الموجودة في سوقها التراثي أسفل القلعة من الجهه الجنوبية مع جامع، وخانات قديمه ومخازن في نفس المنطقة بالاضافة الى حقول زراعية خارج اربيل اعتاد الراحل الذهاب اليها في صباه راكبا الخيل. ومازالت العائله الى الان تملك محلات القيصريه المؤجره بسعر زهيد لا يذكر لمساعده اصحاب المصالح ...كان والد وجد الدكتورعبد الرزاق من وجهاء اربيل حيث عملوا بتجاره الجلود والصوف واشتهروا فيها، حيث كان الصوف ينقل من اربيل الى التون كوبري يغسل ويهئ ليصدربعدها الى فرنسا عبر مدينه البصره.
قضى الدكتورعبد الرزاق الدباغ سنوات حياته الاولى في منزل عائلته في قلعه أربيل التاريخية والعريقه (يعتبر المنزل الان اهم واكبرالمنازل التراثيه في القلعة) وكان آنذاك اعلى منزل في تلك المدينه ... استملكته الدوله مع بقيه البيوت والأبنية التراثية الموجوده في القلعة بعد ان أدرجت قلعه اربيل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
حياته العلميه والمهنية
درس الراحل في الكلية الطبيه الملكية العراقيه ببغداد التي امتازت بدراستها الصعبه حيث كان يقودها اطباء اكفاء إنكليز، هولنديين وامريكان بالاضافة الى خيره الاطباء العراقيين في ذلك الوقت منهم صائب شوكت، علي البير، شوكت الدهام، مهدي فوزي، هاشم الوتري وكمال السامرائي.
تنقل الدكتورعبد الرزاق الدباغ في عده وظائف مابين التعليم والاداره وممارسة مهنه الطب. فبعد تخرجه من كليه الطب تعين بالمستشفى الملكي التعليمي ( مدينه الطب حاليا) في بغداد كطبيب مقيم في قسم الجراحة سنه ١٩٥٨ وعاصر ثوره ١٤ تموز ١٩٥٨ (حيث عالج مع زملائه جرحى القصر الملكي من موظفين وخدم بعد مقتل العائله المالكه، يصف الدكتور اندهاشه من بساطه القصر الذي كانت تسكنه العائله المالكه حيث زاره مع أصدقاءه بعد الحادث موضحا ان بعض جدران القصر كانت مبنيه من الطين).
عمل الدكتور الدباغ مساعد جراح في مستشفى كركوك وبعدها في قلعه دزيه ومن ثم جراح ممارس في اربيل من سنه ١٩٦١ الى ١٩٦٤.
في سنه ١٩٦٤تم قبوله في بريطانيا للدراسه في كليه الجراحين الملكية في لندن وعمل في مقاطعه كنت وبعدها في بريستل. حصل على ف رسي اس FRCS وانتخب زميل كليه الجراحين الملكية في أدنبره بسكوتلندا.
يعتبر الدكتور عبد الرزاق الدباغ اول جراحي اربيل وكان الطبيب الوحيد في اربيل آنذاك الذي كان يرى حالات اخرى عدا الجراحة مثل باطنيه، كسور، جراحه أمراض بوليه، واطفال (التي أتت من الخبره التي اكتسبها في عمله بالعراق وبريطانيا).
اصبح مديرعام لصحه اربيل، نقيب لنقابه الأطباء فرع اربيل، نائب امين عام (وكيل وزير) وأمين عام للشؤون الاجتماعية). كان مؤسس ومدير وشريك رئيسي لمستشفى هولير/اربيل الأهليه او الخاصه.
طوال مسيرته المهنية عالج الدكتور الدباغ وأنقذ الآلاف المرضى و الجرحى . كان يعمل باليوم تقريبا ٢٠ عمليه بمختلف أنواعها ... وعمل اكثر من ٣٥ الف عمليه جراحية و٢٠٠٠ عمليه غده درقية.
تتلمذ اجيال من الأطباء على يديه .. وعندما فتحت كليه الطب بأربيل اصبح محاضرا زائر متطوعا فيها لمده ١٠ سنوات واستمر في الاشراف على طلبه المرحلة النهائية و الدراسات العليا.
صفاته النبيلة
... .. كان الدكتور عبد الرزاق الدباغ غني النفس متواضع جدا لا يتفانى ولا يتردد في خدمة الآخرين ومساعد للمحتاجين بشتى الطرق .. يعالج المرضى حتى في منتصف الليل .. عالج القريب والصديق وحتى الغريب مجانا وكان معروف عند أهل اربيل ان تقريبا نصف مراجعيه في عيادته الخاصه علاجهم مجانا فقد كان يسال عن حالتهم الماديه ولاياخذ منهم اجور الفحص لا بل مرات عديده كان يعطيهم مصاريف الدواء أيضا.
تميز بالتسامح ولَم يعرف اي تفرقه او تعصب ديني ولا مذهبي او طائفي.
لم ينتمي الدكتور عبد الرزاق لأي حزب من الأحزاب لانه كان مؤمنا بأهميه وجود جماعات في اي دوله تصب تركيزها على العلم وخدمه المجتمع بدل السياسه... تمسك بهذا المبدأ الى اخر يوم في حياته.
كان طبيب وإنسان خدم مبادىء الطب بكل معنى الكلمة ... التزم باسس الأخلاق الطبيه: الامانه والصدق مع المحافظة على خصوصية وأسرار كل مريض ونقل هذه المبادئ لأولاده وبناته الأفاضل.
كان الراحل أديب مثقف محب للموسيقى الكلاسيكية ومحب للأصدقاء ومخلص ومقدر لمعنى الصداقة.
قابل الراحل السيد مسعود البارزاني سنه ١٩٦٤وقابل ايضا المُلا مصطفى البارزاني وإدريس البارزاني رحمهم الله عده مرات وكانت له علاقة طيبه مع العائله مقدما مساعداته وخبراته الطبيه.
في سنه ١٩٥٧تزوج من ابنه عمه السيدة الفاضله نعمت الدباغ رحمها الله التي رحلت قبله بسنوات قليله وكانت شريكه حياته وسنده في كل شي ... كانت سيده مجتمع مثقفه معروفه بمكانتها الاجتماعية بين عوائل اربيل الاصيله محبه للآخرين تساعد الغريب قبل القريب. عرفت بكرمها وطيبه قلبها وخلقها وبسمتها التي لم تفارقها في عز مرضها. أنجبت له خمسه اولاد مهندسه، ثلاثة أطباء (اخصائي تخدير، جراح استشاري وزميل كليه الجراحين العالميه، واخصائيه أنف إذن وحنجرة) و أستاذه و دكتوره في الادب الإنكليزي.
هذه هي الحياه .... جميعنا سنرحل منها ومايبقى هو العمل والأثر الطيب في نفوس الآخرين الذي سيستمر لأجيال ...
اي كلمات تكتب لاتعطي هذا الانسان النبيل حقه فهو عمود أساسي مهم في تاريخ ومجتمع اربيل الحديث كما كانت عائلته احد الأسس المهمة في مجتمع اربيل القديم .
ستبقى ذكراه في الصداره ... والكتابه عنه واجب علينا.
... رحم الله الدكتور عبد الرزاق الدباغ وزوجته بعد مسيره حافلة بالمنجزات والذكريات... التي لاحصر لها ... وماقدموا من خير سيستمر اثره في ارض اربيل الطيبه وسيجنيه أولاده وأحفاده حفظهم الله جميعا.
بالنسبه لي اربيل هي بيت الدكتور عبد الرزاق الدباغ و وزوجته الفاضله
فلترقدوا بسلام
أحببتكم كثيرا
فرح
٢٢/٩/٢٠١٨، لندن